مؤشر الديمقراطية: 1126 انتهاكا لحرية التعبير خلال يناير - مايو 2016







تمهيد :

انطلاقا من ضرورة الوصول للمؤشرات الواقعية لطبيعة الحراك الهادف لإقرار الحقوق والحريات في مصر، قامت مؤسسة مؤشر الديمقراطية برصد وتوثيق تطورات الأحداث المتعلقة بحرية الرأي والتعبير في مصر خلال الفترة من أول يناير وحتى منتصف مايو 2016، وردود الفعل الحكومية والنقابية والمدنية تجاهها كواحد من مجموعة من الملفات التى ترسم ملامح ومؤشرات الديمقراطية في مصر والتي يصدرها المؤشر بشكل منتظم .
واعتمد التقرير على منهجية رصدية اعتمدت على خمس مصادر للرصد والتوثيق وهي ( المرصد الإعلامي لخمس صحف مصرية متنوعة – لجان تقصي الحقائق الخاصة بالمؤشر – المشاهدات الميدانية الخاصة بفرق الرصد – المواقع الحكومية الرسمية الخاصة بالوزارات المعنية – المواقع الإخبارية للنقابات والمؤسسات المتعلقة بموضوع التقرير)
اعتمد التقرير في رصده للأحداث المتعلقة بحرية الرأي والتعبير من منطلق رصد الأحداث المتعلقة بالعمل الصحفي والإعلامي ، وكذلك الأحداث المتعلقة بالأعمال الإبداعية سواء المعروضة على وسائل الإعلام التقليدية أو وسائل الإعلام الجديدة، بالإضافة لرصد وتوثيق ردود فعل الدولة على أحداث التظاهرات والأعمال الاحتجاجية كأحد وسائل التعبير عن الرأي والمطالب، وأخيرا ما تواجهه المنظمات الحقوقية من تضييقات كونها أحد أهم مؤشرات حرية التنظيم وحرية التعبير في مصر.
ويرجو المؤشر من القاريء أخذ الملاحظات التالية في الحسبان قبل الشروع في الإضطلاع على التقرير أملا منا في رسم مؤشرات أكثر واقعية ووضوحا :
-        كافة المعلومات التي تم نشرها قد حدثت وفق روايات 5 صحف مصرية على أقل تقدير، بالإضافة للتيقن منها من خلال فريق العمل بالمؤشر.
-        أن حجم الأحداث والإنتهاكات التي تم رصدها لا تعكس الكم الحقيقي لما مرت به حرية التعبير خلال فترة الرصد، ولكنها ما استطاع فريق العمل جمعه والتيقن منه.
-        أنه تم احتساب بعض الإنتهاكات الجماعية وخاصة للصحفيين والمتظاهرين في انتهاك واحد، وأبرز مثالا لذلك احتساب عشرة أيام من الإنتهاكات التي واجهها الصحفيين من مواطنين تم حشدهم على انها 10 انتهاكات فقط.
-        لم يتم إحتساب التحقيقات والمحاكمات القضائية على أنها انتهاكات.

تقديم :
في الوقت الذي يصاغ فيه هذا العمل، تتعرض حرية التعبير في مصر للعديد من التحديات التي عكسها رصد مؤشر الديمقراطية لـ 1126 انتهاكا ضد حرية التعبير في مصر خلال الفترة من أول يناير وحتى منتصف مايو 2016 بمتوسط 8 انتهاكات يومية و 250 انتهاكا شهريا لكل من غرد خارج أسراب التأييد في مصر، بالإضافة لـ 15 حكما قضائيا بالسجن والغرامة ضد 182 مواطنا بسبب التعبير عن آرائهم، بشكل يرسم ملامح "دولة الخوف" ويعود بقضية حرية التعبير في مصر لأزمنة مظلمة.
الأزمات المتتالية لحرية التعبير خلفت 182 سجينا بحكم قضائي خلال فترة الرصد بالإضافة للعشرات من الشباب والمحامين والنشطاء والأطفال الذين يتم التحقيق معهم أو محاكماتهم على خلفية قضايا متعلقة بحرية الرأي والتعبير، كما انعكست تلك الأزمات في 857 حالة إلقاء القبض على واحتجاز مواطنين وصحفيين ورسامين ومواطنين، كما خلفت 71 ضحية فصل عن العمل أو الدراسة، وتمثلت أحدى انعكاساتها في 66 حالة حجب للمعلومات و 10 حالات للمنع من السفر أو دخول البلاد، و 12 واقعة حظر نشر ووقف نشر مقالات، وقف بث برامج وقنوات فضائية، لكنها تجلت في الاقتحام الأمني لنقابة الصحفين.

ونظر لإيمان مؤشر الديمقراطية بأهمية بناء نموذج ديمقراطي قائم على احترام حقوق وحريات المواطنين والتي تتصدرها حرية التعبير بما حظيته من كفالة وحصانة في العهود والتشريعات الدولية والإقليمية والمحلية وبما تمثله من عماد أساسي لقيام أي نظام ديمقراطي، فإن المؤشر سوف يحاول أن يقدم تصورا لحالة حرية التعبير في مصر، مستندا على ما رصده من أحداث وتطورات وانتهاكات خلال فترة الرصد، والتي تتلخص في النقاط القادمة.
1.     معوقات العمل الصحفي المصري ( كيف وصلت الصحافة المصرية لحالة الحداد ؟ )

صنف مؤشر حرية الصحافة العالمي الصادر عن "مراسلون بلا حدود "مصر في المرتبة 158 (من أصل 178 دولة)[1] بشكل مثل تراجعا واضحا بانحدار قدره 15%  عن ترتيب مصر في عهد ما قبل 2011، وحيث تصدرت مصر في آخر مؤشر لحرية الصحافة في عهد مبارك الترتيب 127 (من أصل 173 دولة) [2]، ورغم قساوة التصنيف إلا أنه يعبر عن واقع ما تشهده الصحافة المصرية من انتهاكات  يلخصها مؤشر الديمقراطية في النقاط التالية :
§   كانت السمة الأولى للعمل الصحفي خلال 2016 هي الملاحقات الأمنية للصحفيين والعاملين في الحقل الإعلامي؛ حيث رصد مؤشر الديمقراطية 68 حالة قبض وإيقاف واحتجاز أمني لصحفيين ومصورين ورسامين كاركاتير كلها تحت مسببات وحجج غير قانونية وأفضت جميعها لمنع هؤلاء من آداء مهامهم الصحفية والإعلامية، وتمثل أبرز تلك الوقائع في القبض على 47 صحفيا ومصورا خلال يوم واحد في أحداث 25 أبريل أثناء تأديتهم لأعمالهم، والقبض على 8 من فريق عمل قناة اون تى فى في حين تم توقيف فريق عمل قناة البي بي سي من قبل قوات الأمن ومنعه من تغطية نفس الأحداث، بينما عكست شهادات عشرات الصحفيين حقيقة الإعتداء اللفظي والبدني عليهم من قبل أفراد الأمن حال او بعد إلقاء القبض عليهم وهو ما يعكس تعمدا لإهانة الجماعة الصحفية.
§   رصد مؤشر الديمقراطية 8 أحكام قضائية صادرة بحق 14 صحفيا أو عاملين بالحقل الصحفى خلال العام 2016،  أولها الحكم الصادر ضد الصحفي أحمد ناجي في القضية رقم 9292 بالسجن عامين بتهمة خدش الحياء العام بعد نشره لفصل من روايته، كما تم الحكم في نفس القضية على طارق الطاهر رئيس تحرير أخبار الأدب بغرامة 10 آلاف جنيه لمسئوليته عن النشر في نفس القضية، فيما حكم على الكاتبة والصحفية فاطمة ناعوت بالسجن 3 أعوام لإتهامها بإزدراء الدين الإسلامي على خلفية رأي نشرته على صفحات التواصل حول الأضحيات، في حين واجه 6 صحفيين أحكاما تتراوح بين شهر وعامين على خلفية قضايا سب وقذف، و تم الحكم على 3 مصورين بالسجن 3 أعوام بعد القبض عليهم من أمام مشرحة زينهم أثناء تأديتهم لمهماهم الصحفية وهم (محمد عدلي – شريف أشرف- عدلي مختار)، بينما حكم على عضو نقابة الصحفيين محمد على حسن بالسجن 5 أعوام بتهمة نشر أخبار كاذبة والإنضمام لجماعة محظورة، واصدرت محكمة جنح السيدة زينب حكما بالحبس 3 أعوام ضد رئيس نقابة الصحفيين الإلكترونية على خلفية اتهامه بنشر أخبار كاذبة.
§   شهد العام الحالي موجة عامة من حجب المعلومات عن الصحفيين، حيث رصد التقرير 66 حالة تعمد اخفاء المعلومات أو مصادرها عن الصحفيين أو منع التغطية الصحفية؛ كانت الشرطة أول المتسببين بتلك الحالات بعدما قامت بمنع 56 صحفيا ومراسلا من تغطية فاعليات 25 أبريل، وقامت المحاكم أيضا في  بمنع الصحفيين من تغطية بعض المحاكمات مثل القضية 173 وقضية إعادة محاكمة أحمد نظيف، وبدأت تسود موجة حجب المعلومات بعض مباني المحافظات بعدما تبنت محافظتى المنيا والشرقية سياسة تجاهل الصحفيين، لكن الأكثر دعوة للقلق هو انتهاك المجلس القومي لحقوق الإنسان نفس سياسات حجب المعلومات بعدما منع الصحفيين من تغطية أحد جلساته بالتفاصل التي حملتها الشكوى رقم 2002 المقدمة لنقابة الصحفيين بشكل يعكس تبني المؤسسة الوطنية الكفيلة برعاية حقوق الإنسان لنفس سياسات الدولة ومؤسساتها في حجب المعلومات عن الصحفيين، وتورط البرلمان وأمن وزارة التربية والتعليم وكذلك أمن جامعة عين شمس في 3 أحداث تتعمد حجب المعلومة أو المصدر عن الصحفي حيث منع البرلمان دخول مجموعة من الصحفيين من الدخول تحت حجة إجراءات أمنية، في حين منع أمن وزير التعليم الصحفيين من مقابلته، وتم منع دخول الصحفيين من قبل أمن جامعة عين شمس لتغطية إحدى الفاعليات الاحتجاجية داخل الجامعة.

§    اتسعت وتيرة الحظر والمنع من النشر خلال العام 2016، حيث صدرت 4 قرارات قضائية بحظر النشر في قضايا (تقرير المركزى للمحاسبات حول الفساد – مشروع محطة الضبعة النووية – قضية التمويل الأجنبي للمنظمات الأهلية – قضية اقتحام نقابة الصحفيين ) بشكل يعكس استمرار وتيرة حظر النشر بقرارات قضائية أو نيابية خلال العام الحالي بالمساواة مع العام الماضي الذي شهد 12 قرارا بحظر النشر[3]، ورصد المؤشر 3 حالات منع لكتاب من نشر مقالاتهم بجريدة الأهرام، حيث كانت كافة المقالات تتعلق بقضية جزيرتي تيران وصنافير، في حين وردت للمؤشر أخبار بتعدي دار الأهرام للنشر على النسخ الورقية لجريدتين مصريتين بعدما أزالت الشارة السوداء المعبرة عن تضامنهما مع النقابة أثناء طباعة الجريدتين في مطابع الأهرام، كما نفت إدارة المصري اليوم ما تردد عن تغيير مضمون صفحتها الأولى بتعليمات أمنية، وعكست كافة إجراءات الحظر والمنع من النشر اعتداءات واضحة على رزمة من الحقوق الدستورية للمواطنين المصريين أهمها الحق في الوصول / الحصول على المعلومات والوثائق التي كفلها الدستور في مادته 68، والحق في نشر المعلومات ومنع الرقابة على الصحف، كما مثلت أيضا إفراطا في استخدام الحق القضائي في سلطة حظر النشر، مما يمثل عقبة حقيقية أمام العمل الصحفي في مصر ويفرض اتخاذ مزيدا من الإجراءات الهادفة لتقليص سلطة منع وحظر النشر.
§   امتدت الانتهاكات التي واجهها صحفيون لتشمل اقتحام قوات الأمن لبعض المقار الصحفية حيث رصد المؤشر حالة اقتحام مقر الموقع الإخباري "مصر العربية" من قبل الأمن كما تم مصادرة الأجهزة الموجودة بالمقر ويعد هذا الإقتحام الثاني لنفس الجريدة.
§   الاعتداء الجسدي واللفظي على الصحفيين ومعداتهم كان من أبرز الإنتهاكات التي رصدها التقرير والذي رصد 21 حالة اعتداء جسدي ولفظي على الصحفيين منهم 13 حالة اعتداء جماعي حيث تورط المواطنون الذين تجمعوا وتظاهروا ضد الصحفيين أمام نقابتهم لمواجهة احتجاجات الصحفيين في 10 حالات اعتداء جماعي على كافة الصحفيين والمتضامنين معهم، في حين تورط مديري مستشفي وطبيب في 3 حالات اعتداء أخرى وتورط مجموعة من المواطنين في حالة اعتداء جماعي على الصحفيين امام محكمة زينهم أثناء تغطيتهم لفاعليات محاكمات 25 أبريل، ورصد المؤشر 7 حالات اعتداء فردي تعرض لها الصحفيون وأعضاء النقابة أهمها الاعتداء على مراسل جريدة الوطن من قبل نائب برلماني بالضرب، والاعتداء الجسدى بالضرب المبرح على الصحفي خالد داود من قبل مواطنين ممن تم حشدهم أمام نقابة الصحفيين.
§   تعرض أكثر من 40 صحفي للفصل والاستبعاد من مؤسساتهم الصحفية خلال فترة الرصد حيث رصد المؤشر 3 حالات للفصل الجماعي تضرر منها 40 صحفيا بالإضافة للعديد من الحالات التي لم يرغب الصحفيون في الإعلان عنها خوفا من الإضرار بمستقبلهم المهني، رصد المؤشر حالة رفض جماعي من قبل نقابة الصحفيين لتقييد صحفيي موقع التحرير الإخباري بالنقابة في شكل يعكس المعاناة التي يواجهها مناخ العمل الصحفي وحقوق الصحفيين في الآمان الوظيفي و الإنتماء لنقابتهم.
§   في الثاني من مايو اقتحمت قوات الأمن النقابة لإلقاء القبض على صحفيين معتصمين بداخلها ومطلوبين على خلفية اتهام بالتحريض على التظاهر في 25 أبريل، وهو ما اعتبرته الجماعة الصحفية خرقا دستوريا وقانونيا واتخذت اجراءات احتجاجية تصعيدية في المقابل، لكن السلطة التنفيذية انتهجت سياسة التصعيد المقابل من خلال محاصرة النقابة بكردونات أمنية فضلا عن قيام مواطنين بسطاء بالتجمع أمام النقابة لإستكمال سياسة الحصار والاعتداءات على الصحفيين المحتجين، وانتهج البرلمان المصري سياسة السلطة التنفيذية نفسها لكن بشكل أكثر عنفا حينما طالب بعض أعضائه صراحة بذبح الصحفيين وتخونيهم من  جانب آخر من الأعضاء وأصدر المجلس بيانا يطالب بتراجع الصحفيين عن مطالبهم إعلاءا للمصلحة العامة. المؤازرة الأخيرة للسلطة التنفيذية جاءت ممثلة في مجموعة من الصحفيين المقيدين بالنقابة والذين طرحوا مبادرة لحل مجلس النقابة وطرح بعضهم أنفسهم على استحياء كأعضاء بالمجلس الجديد.
§    المؤشر يرى أن القضية لا يجب أن تتوقف عند مرحلة اقتحام النقابة وأن أخطر ما تحمله طياتها كان في رد فعل الدولة بمؤسساتها على ما حدث مما عكس الكيفية التي تتعامل بها الدولة ومؤسساتها مع الحريات الصحفية في مصر، كما تفرض أيضا على الجماعة الصحفية مراجعة موقفهم للحد الذي أضحى التخلي عن مطالب 4 مايو هو البديل الأول المطروح على طاولة التفاوض.

2.       حرية الإبداع في مصر (الإزدراء والإهانة والآداب العامة أسلحة للفتك بحرية الإبداع في مصر )
واجهت حرية الإبداع والتعبير بالرأي عبر الفضائيات ومواقع التواصل الإجتماعي هجوما ليس بأقل مما واجهته حرية الصحافة في مصر حيث رصد المؤشر 23حالة قبض واحتجاز لمراسلي برامج ومنتجي أعمال مصورة و طلاب تحت دعاوي الإساءة للدولة أو أجهزتها حيث تم إلقاء القبض على 13 من فريق عمل إنتاج أحد الأفلام الوثائقية بحجة إنتاج مواد تحرض ضد الشرطة، وتم القبض على شادي حسين (مراسل برنامج) وأحمد مالك (ممثل) على خلفية إنتاج فيديو مسيء للشرطة، في حين تم القبض على 3 مواطنين لإدارتهم مواقع تحمل علامة رابعة، وتمثلت آخر الوقائع في القبض على 5 من فريق " أطفال شوارع" بتهم الإساءة للدولة والعمل على قلب نظام الحكم على خلفية إنتاجهم فيديوهات ساخرة عن الأوضاع الحالية وبثها عبر مواقع التواصل، وأصدرت النيابة قرارها بحبس المتهمين 15 يوما على ذمة التحقيقات.
مثلت الأحكام القضائية أحد الإنعاكاسات الخاصة بالتضييق على التعبير عبر أية وسيلة حيث رصد المؤشر 4 أحكاما قضائية صدرت بحق 6 مواطنين كان أبرزها الحكم على 4 طلاب بالسجن 5 سنوات وحكما بالسجن على أستاذهم بـ 3 سنوات على خلفية تصويرهم مقطع فيديو لم يتم نشره، رأى المبلغون والمحكمة أنه يزدري الدين الإسلامي، ورأي الطلاب وذويهم أنه مجرد مسرحية للسخرية من داعش وأن الطلاب لم يقوموا ببثه ولكنه تم سرقته وتداوله بين بعض المواطنين، وواجه مقدم البرامج والباحث إسلام البحيري حكما بالسجن لمدة عام لإتهامه بإزدراء الدين الإسلامي من خلال أرائه في برنامجه ليلحق بركب قضية الإزدراء التي واجهت الصحفية فاطمة ناعوت، بينما واجهت طالبة حكما بـ 8 أعوام لإدراتها صفحة تواصل اجتماعي مؤيدة لأفكار جماعة الإخوان المحظور الانضمام لها بحكم قضائي. كما رصد المؤشر حالة إحالة للنيابة الإدارية للمذيعة عزة الحناوي بسبب أرائها المعارضة لرئيس الجمهورية وذلك بعد التحقيق معها من فريق تحقيق بماسبيرو.




وفي سياق منع البرامج والقنوات الفضائية رصد المؤشر 5 وقائع وقف برامج وقنوات، منها 4 حالات وقف برامج (مصر اليوم/الفراعين – مصر اليوم/القاهرة التابعة للتليفزيون المصرى – ممكن /CBC – ملفات ساخنة/التلفزيون المصري) بالإضافة لقرار غلق قناة الفراعين، لكن الأكثر قمعا هو أن كافة تلك البرامج قد تم وقفها إما لرأي مقدمها أو لرأي ضيوفه حيث تم وقف برنامج ملفات ساخنة لإستضافته المفكر سيد القمني وهو ما أثار حفيظة الأزهر واعتراضه، وكذلك التوقيف المؤقت لبرنامج ممكن على خلفية تصريحات تيمور السبكي بالبرنامج والتي أودت بمحاكمات مستمرة للسبكي أيضا على خلفية إهانتة لنساء الصعيد كما ادعى مقدمو البلاغات ضد السبكي.
استمرارا لسلسلة مواجهات الرأي المخالف لصوت الدولة قامت الجامعات المصرية بفصل 9 طلاب بشكل نهائي لاتهامهم بإهانة العاملين بالجامعات أو رئيس الجمهورية عبر مواقع التواصل الإجتماعي.
وبذلك يكون القبض والمحاكمات والفصل والتوقيف هم سمة سياسات الدولة ضد الآراء المعارضة مهما كان اسلوب أو طريقة التعبير عنها ولتعكس نمطا دكتاتوريا وقمعيا في مواجهة المغردين خارج السرب التي تقوده الدولة.
3.     الحق في التجمع السملي والتظاهر بين المنع على الجميع والمنح للمؤيدين.

مثل قانون التظاهر آداة أولية لتوقيع أقصى عقوبات وانتهاكات طالت المحتجين مهما كانت مطالبهم أو فئاتهم أو أشكال احتجاجاهم، حيث عمدت السلطة التنفيذية فض 45 مظاهرة ومسيرة احتجاجية من خلال قوات الأمن، فيما ألقي القبض على 766 محتجا خلال 2016 في حين يتعرض أكثر من 310 مواطن للمحاكمات على خلفية اتهامات بالتظاهر أو التحريض عليه، ناهيك عن عشرات الاتهامات المصاحبة للتظاهر مثل العمل على قلب نظام الحكم وغيرها، لكن الحدث الأسوأ والمؤشر الأخطر تمثل في الحكم في يوم واحد على  162 متظاهرا / متهما بالتظاهر خلال يوم 25 أبريل بالسجن من عامين حتى خمس سنوات وغرامة مائة ألف جنيه، بشكل أحدث صدمة لدى الأهالي والمهتمين بحرية التعبير في مصر واعتبره الكثيرون يوما أسودا للعدالة في مصر،  فضلا عن عدد من المحتجزين على خلفية الدعوة للتظاهر منهم الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا، والمحاميين هيثم محمدين ومالك عالي، وتعرض 22 عاملا للفصل والإيقاف عن العمل بسبب التظاهر و تم التحقيق مع عامل وصحفي لنفس السبب.
المنع من السفر والدخول للبلاد لكل الآراء المعارضة أحد وسائل التضييق:
رصد مؤشر الديمقراطية 10 حالات منع من السفر أو دخول البلاد وصدرت أغلبها بتنسيق أمني حيث مُنع الباحث عاطف بطرس من الدخول للبلاد، فيما تم منع كلا من جمال عيد وحسام بهجت من السفر على خلفية اتهامات وجهت إليهم في قضية التمويل الأجنبي ، تم منع الباحث السياسي محمد عادل مؤسس مؤشر الديمقراطية و محمد المصري أحد أعضاء فريق المؤشر من السفر بتنسيق أمني مصري مغربي دون إبداء أسباب المنع، كما تم منع الشاعر عمر الحاذق والمحامي الحقوقي رضا الدنبوكي والناشطة ايناس المعصراوي من السفر لدواع أمنية.
منظمات المجتمع المدني أحد حلقات التضييق على كل الآراء المغردة خارج السرب :
فتح قضيتي رقم 173، 250 التي تتهم عشرات منظمات المجتمع المدني بتلقى تمويلات أجنبية على خلاف القانون، والتحقيق مع مزن حسن وفريق عمل مؤسسة نظرة ، وحسام بهجت المدير السابق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وجمال عيد مدير الشبكة العربية ، بالإضافة لكون القضية تضم العديد من المنظمات الحقوقية التي لم يتم التحقيق معها بعد، كما يتم التحقيق مع المحامي الحقوقي نجاد البرعي على خلفية اتهامه بإدارة منظمة تعطل مؤسسات الدولة عن آداء مهامها بعدما قدم مشروعا لمناهضة التعذيب لرئيس الجمهورية، بالإضافة لمحاولات غلق مركز النديم، ومنع النشطاء الحقوقيين من السفر، ورفض وزارة التضامن للكثير من المشروعات للمنظمات الحقوقية، وتضييق الخناق على المنظمات الدولية مثل فريدريش ايبرت وغيرها؛ عكست سياسة ممتدة منذ القدم في محاربة والتضييق على منظمات المجتمع المدني وخاصة العاملة في مجال حقوق الإنسان، ناهيك عن الحملات المستمرة لتشويه تلك المنظمات من خلال ما يطلق عليه الإعلام الموالي للدولة المصرية، بشكل عكس تضييقا فجا وواضحا على الحق في التنظيم والتجمع السلمي وعلى عمل المنظمات الأهلية وما تقدمه من خدمات ضرورية في ظل الانتهاكات المتوالية التي تشهدها الحقوق والحريات في مصر.

هكذا كانت حرية التعبير في مصر خلال 2016 الذي شهد كافة ملامح التضييق والقمع والانتهاكات ضد كافة المخالفين لرأي الدولة من الذين قرروا عدم الإنصياع للرأي الواحد والتغريد خارج السرب، لكن ما تنتهجه إدارة الدولة المصرية من انتهاكات وتضييقات على حرية التعبير لن يثمر إلا عن مزيد من القمع والتطرف والضعف للدولة ولن تستطيع الإدارة مهما بلغت من مراحل التضييق والقمع أن تحجب رأيا أو تقتل فكرة خاصة في ألفية أهم أحداثها كانت برامج تبادل المعلومات و الثورات ضد الدكتاتورية، وأن محاولة بناء دولة الخوف سيكون سببا أساسيا في المزيد من إضعاف الدولة و انتهاكات حقوق المواطن.

4.     الخاتمة والتوصيات:
عكست الأحداث المناهضة لحرية التعبير والتي شهدها العام 2016 ، الخطايا العشر للإدارة المصرية في التعامل مع حرية التعبير والتي تتمثل في :
       i.            الملاحقات الأمنية والقضائية المستمرة لكافة الأصوات المعارضة أو المخالفة لرأي مؤسسات الدولة.
     ii.            التوسع الكبير في التضييق على حرية الرأي والتعبير تحت حجج الأمن القومي والأخلاق العامة وإزدراء الأديان.
  iii.            إنتشار ظاهرة حجب المعلومات وخاصة من قبل مؤسسات الدولة.
 iv.     التشريعات سيئة السمعة التي يحاكم بها المواطنون والمعنيون بحرية التعبير وعلى رأسها قانون التظاهر و المادتين 98، 178 من قانون العقوبات.
  v.     التضييق المستمر على وسائل الإعلام الاجتماعي وأدوات الإتصال بالإنترنت بشكل جعل من عشرات المواطنين سجناء ومتهمين ومفصولين بسبب آرائهم على صفحات التواصل الإجتماعي، بالإضافة لمشروعات القوانين الخاصة بالرقابة على الإنترنت والتي يناقشها البرلمان الحالي.
 vi.     غياب الأمان الوظيفي للعاملين بالحقل الإعلامي أو للموظفين والعمال المعرضين للفصل والتنكيل في أعمالهم بسبب آرائهم.
vii.     انتشار مبدأ "التمييز في الحصول على الحق" بشكل جعل من المؤيدين للدولة أو مؤسساتها مكفولين بالحماية وعدم التعرض لأية ملاحقات على عكس كافة الأصوات المعارضة التي يعصف بكافة حقوقها في التعبير.
viii.            المحاولات المستمرة من الدولة في التدخل والسيطرة على الإعلام المحلي .
   ix.            الضغوط والتدخلات التجارية التي تعصف بالحريات الإعلامية في مصر.

لذا فإنه على كافة المهتمين بحرية التعبير من المواطنين والمؤسسات مواجهة تلك الخروقات العشر التي تعصف بحرية الرأي والتعبير في مصر، وأن يعمل الجميع من منظور ما كفلته المواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة المصرية وكذلك ما كفله الدستور المصري من حقوق وحريات نظمت الرأي والتعبير وكفلته دون الدخول في معارك جانبية لن تجدي سوى في خلق المزيد من الأزمات.
أما بخصوص الإدارة الحالية للدولة فإن عليها أن تتيقن بأن كافة الممارسات التي تحاول من خلالها السيطرة على حرية التعبير تصب في الأساس في خلق المزيد من الاحتقان الناتج عن الانتهاكات وبالتالي التمهيد للمزيد من العنف والهدم لا البناء، وأنه على الدولة أن توجه كافة جهود وتكلفة خنق حرية التعبير  لمسار آخر يستهدف بناء مسارات للحوار والتفاوض والتعبير عن الرأي بشكل يعلي من المشاركة المجتمعية ويبني دولة قادرة على الإستفادة من طاقاتها الإبداعية عوضا عن خنق تلك الطاقات الذي يمثل خنقا للدولة بأسرها، وأنه على الإدارة المصرية أن تدرك أن إلتزاماتها الدستورية أمام مواطنيها وإلتزاماتها الدولية تفرض عليها إحترام حقوق مواطنيها في حرية التعبير عن آرئهم وأفكارهم.





[1] تقرير مؤشر الصحافة " منظمة مراسلون بلا حدود " التقرير على الرابط التالي : https://rsf.org/en/ranking 
[2] المرجع السابق
[3] أبرز قرارات حظر النشر خلال 2015 – 2016 ، قرار الحظر في قضية تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات عن حجم الفساد فى مصر، والتقرير الخاص باللجنة المشكلة من الرئيس السيسى للرد علي تصريحات المستشار هشام جنينة، وأيضا قرار حظر النشر الصادر فى مشروع إنشاء المحطة النووية بالضبعة، وقضية "التمويل الأجنبى غير المشروع لمنظمات المجتمع المدني"،
 وكذلك قضية اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، ومقتل أعضاء الفوج السياحى المكسيكى بالواحات، وقضية «فساد وزارة الزراعة» وقضية «قاضى محكمة جنح مدينة نصر» وأيضا «قتل المحامى كريم حمدى بالتعذيب داخل قسم شرطة المطرية على يد ضابط الأمن الوطني» وكذلك القضية الخاصة «بتنظيم أنصار بيت المقدس»، وقضية «مقتل الناشطة شيماء الصباغ» على يد ضابط شرطة وأيضا فى قضية الآثار الكبرى والمتهم فيها مدير نيابة مدينة نصر وشقيقه مستشار بنيابة النقض وسبعة ضباط بوزارة الداخلية بالاتجار فى الآثار، وأخيرا حظر النشر فى التحقيقات التى تجريها النيابة العامة فى اتهام الزميلين الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا بالتحريض على التظاهر وقلب نظام الحكم .
شكرا لك ولمرورك